رحلة الآثام بقلم منال سالم

رحلة الآثام بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


على رأيها في اتخاذ الحذر التام برضوه أنا مش عايزاه يزعل لحظتها وجدت منه جفاء عجيبا وكأنه خاصمها أولاها ظهره قائلا براحتك انتابها شعور الندم فلحقت به تسأله في جزع إنت اتضايقت ولا إيه رد باقتضاب عادي وكأن ضميرها يؤنبها على تسرعها هتفت تناديه في نبرة آسفة ممدوح لم يكلف نفسه عناء الرد عليها زاد من قلقها رؤيتها إياه وهو يرتدي سترته استعدادا لذهابه سألته في توتر ممزوج بالخۏف إنت خارج وضع مفاتيح سيارته في جيب سترته وكذلك علبة سجائره ليقول بإيجاز مماثل لباقي ردوده السابقة أيوه حلت دهشة مرتاعة على وجهها وهتفت دلوقتي ظنت أن خروجه الآن ما هو إلا ردة فعل لمطلبها اعترضت طريقه واستوقفته من ذراعيه بكلتا يديها لتتوسل إليه وهي تشد عليهما بأناملها عشان خاطري ماتمشيش وإنت مضايق مني انتشى داخله لقدرته الفائقة على تطييعها وإخضاعها بأقل مجهود وضع ابتسامة صغيرة على محياه قائلا ويده ترتفع لتمسح على وجنتها بنعومة حبيبتي أنا ورايا كام مشوار عاوز أعملهم تخللها شعور الارتياح وبادلته الابتسام لكن تبدد حالها سريعا عندما اختتم جملته بما أرعبها وهعدي على مهاب عكس تعبير وجهها وأيضا نظراتها هذا الفزع الكبير فاستجدته بأنفاس متقطعة بلاش تروحله ھيأذيك قال مطمئنا إياها مايقدرش وبعدين أنا هشوف دماغه فيها إيه استردت أنفاسها بصعوبة ومع ذلك أوصته طب خد بالك يا ممدوح مش عاوزة أي حاجة تحصلك أكد لها بثقة واضحة ماتخافيش عليا انصرف بعدما منحها قبلة مقتضبة على جبينها لتظل ماكثة في موضعها والخۏف يتسلل إليها من تخيل حدوث الصدام بينهما

إن أبدى زوجها تحيزه لموقفها المعارض للذهاب هكذا ظنت بحماقة السلطة والنفوذ كان غريبا ومريبا جلس ممدوح مواجها لرفيقه في بيته شبه الخالي هز مهاب رأسه إيجابا فتابع الأول مستنكرا وبشيء من الشماتة كذلك ده إنت كنت فرخة بكشك عنده إزاي يسلم الإدارة ل سامي بعد زفرة سريعة أخبره مش فارق معايا أنا محتاج أظبط حاجات تانية أهم هو في أهم من الثروة والفلوس والعز والجاه رمقه بهذه النظرة المحذرة قبل أن يرد بلاش تتدخل في اللي ملكش فيه اكتفى ممدوح بتحريك رأسه بإيماءة صغيرة ومع ذلك ظل داخله يردد بسخط ناقم وكأنه يحسده فيما لم يملك منذ نعومة أظافره خلاص جهزت نفسك أجابه وهو يمرر يده أعلى رأسه فاضل كام حاجة كده هظبطها وبعدين نحصلك أنا والمدام أشار له مهاب بيده هاتفا في لهجة جادة تحمل في طياتها الإنذار وأوس قبلكم فاهمني مرة ثانية حذره مهاب مشيرا بإصبعه ويا ريت تبطل تضايقه لأن زعلي وحش تنحنح مبررا بالكذب هو بيتعب أمه فبتضطر تطلب مساعدتي عشان تعرف تسيطر عليه لم يقتنع بزيف ادعائه وأمره بتسلط متكبر سيبه يعمل اللي عاوزه محدش ليه كلمة عليه وهي بالنسباله مجرد خدامة وبس وقتها بدا تعبير وجه ممدوح غير مقروء فاتر فقط ابتسامته اللزجة ذبلت قليلا خاصة عندما واصل إملاء أوامره عليه ويا ريت تحاول تخلص منها في أقرب وقت عاد ليبتسم بقوة وهو يؤكد له بمكر الثعالب هيحصل ما إنت عارفني بحب التجديد زيك بعد مرور شهر اضطر للعودة للعاصمة المصرية عندما علم بتدهور حالة والده الصحية لم يكن ليتركه وحيدا في أيامه الأخيرة ظل ملازما له وساعيا بكل ما يستطيع لمداواته لكن فارقت الروح الجسد وانتقلت للرفيق الأعلى ليقوم مع شقيقه بتشييع جثمانه في جنازة مهيبة تليق به كرجل أعمال معروف في الأوساط المجتمعية ثم تواجد كلاهما في دار المناسبات المرموقة بعد يومين حيث أقيمت مراسم تلقي العزاء فيه جلس الاثنان متجاورين فبادر سامي بالحديث في نبرة غبطة شبه سعيدة وكأنه عاجز عن إخفاء سروره لتهميش دور شقيقه المفضل لدى أبيه مش عاوزك تزعل يا مهاب إن الباشا اختارني أمسك كل حاجة رغم إنك المفضل عنده لم ينظر ناحيته وتركه يكمل وصلة إغاظته بترديده الفارغ بس ده الصح هو بيثق فيا وأكيد شاف فيا حاجة مش موجودة فيك شعر بيده تربت على فخذه فرفع بصره إليه ليجده يقول بعينين ضاحكتين وكأن في مۏت والديهما سعادة لا توصف له اطمن لو احتاجت حاجة أنا جمبك مط فمه ثم أوجز قائلا أكيد انتصب سامي في جلسته على مقعد العزاء واستطرد في لهجة المتحكم وكأن ما ظفر به بعد مماته هو التعويض الملائم الذي يستحقه بعد إقصائه لسنوات أرباحك السنوية هحطهالك في حسابك ده غير مبلغ شهري محترم هيوصلك أول كل شهر كان من السخيف التطرق لهذه الأمور في مثل هذا الظرف لهذا لم يدع مهاب الأمر يمر واستعتبه بضيق بيتهيألي الكلام ده مش وقته احنا في عزا الباشا وده مش أي حد الناس كلها جاية عشان عارفة قيمته كويس فيا ريت نحترم ده تلونت بشرته بحمرة طفيفة جراء إحراجه الصريح له وقال حفظا لماء وجهه المراق أه طبعا بس عشان الأمور تبقى واضحة من الأول بينا التزم الصمت بعدها ورغم ذلك لم يستطع التغطية على ابتهاجه الملحوظ للجميع لا شك أن الخروج في هذا النهار الحار كان غير موفق بالمرة خاصة مع اقتراب الوقت من الظهيرة وعدم وجود ما يحجب أشعة الشمس القاسېة تجولت فردوس مع جارتها في منطقتهما الشعبية وهما تحملان من الأكياس ما يكفي لسد احتياجاتهما لأسبوع أو أكثر توقفت كلتاهما عند إحدى البائعات مالت إجلال على رفيقتها لتهمس لها بشيء في أذنها ثم ابتعدتا عنها وهما غير راضيتان عن بضاعتها الذابلة مصمصت فردوس شفتيها وأردفت قائلة في تبرم ما كنا جربنا نجيب حاجتنا من السوق التاني أسعاره أرخص والخضار فيه طازة تذمرت رفيقتها على اقتراحها هاتفة بس مشوار يهد الحيل يا دوسة وأنا مش قادرة ألف ردت عليها بتأفف ما هو البياعين مطلعين عينا ضحكت لوهلة وعلقت هو إنتي يعني بتسكتيلهم ده إنتي أستاذة في الفصال ابتسمت لما اعتبرته مدحا وتابعت مشيها معها إلى أن شعرت برأسها يدور توقفت فجأة مالك يا فردوس إنتي بخير أخبرتها في صوت أظهر إجهادا غريبا مش عارفة زي ما يكون دايخة كده والأرض عمالة تلف بيا في التو جمعت ما تحمله كلتيهما في يد وحاولت إسنادها من ذراعها بيدها الأخرى لتحول دون وقوعها وطلبت منها في تعجل طب تعالي هنا عند البقال ترتاحي شوية كانتا قريبتان من المحل فسارتا بضعة خطوات ناحيته وصوت إجلال ينادي بتخوف كرسي أوام الله يكرمك يا عم زهير نهض ذلك الكهل من على مقعده فور أن وجدهما يقتربان منه وسحبه تجاههما مرددا دون تأخير اتفضلي يا ست البنات عاونت إجلال رفيقتها على الجلوس ثم تركت الأكياس جانبا وراحت تجفف بطرف حجابها شعرت فردوس وكأن رأسها يصبح أكثر ثقلا وجسدها أكثر تراخيا بدا من الصعب عليها التنفس بسهولة فحاولت حل طرفي حجابها لتسحب أنفاسا عميقة إلى رئتيها كانت قادرة على تمييز صوت زهير وهو يخاطب رفيقتها ما الجو بصراحة النهاردة مش طبيعي ثم سمعته يكلمها بودية ألف سلامة يا ست فردوس نجيبلك عصير ولا حاجة باردة تروقي بيها دمك ردت عليه معتذرة وهي ترفع يدها ببطء لتشير له مالوش لازمة دلوقتي هبقى كويسة تساءلت إجلال في جزع إيه اللي جرالك بس ياختي ده إنتي كنتي كويسة وزي الفل بصوت واهن أجابت مش عارفة بس آ وقتئذ حلت غيمة من الظلام على مدارك فردوس فشدتها قسرا إليها لټغرق فيها وتفقد وعيها صړخت إجلال بفزع وهي تحتضن وجهها بيديها لتهزها منه يا نصيبتي فردوس ردي عليا ضړب زهير كفا بالآخر واقترح في الحال أنا هجيبلها كولونيا من عندي تفوقها سارع في خطاه عائدا لداخل بقالته لكن إجلال طلبت منه في صوت مرتاع وهي لا تزال تحاول إعادة رفيقتها لوعيها الله يكرمك يا عم زهير شوفلنا كده سي عوض إن كان موجود في الجامع اللي على الناصية ولا لأ رد عليها بصوته المرتفع على طول أهوو ناولها زجاجة العطر ثم انطلق باحثا عن زوجها في المسجد القريب على أمل إيجاده لإطلاعه على ما أصاب زوجته فجأة بمعاونة بعض أهل المنطقة قام بنقلها إلى المستوصف الطبي المتواضع خاصة حينما عجزوا عن إفاقتها ظل عوض منكفئا برأسه على المقعد المعدني المتأرجح يدعو الله في نفسه بتضرع ألا يصيبها مكروه كان مهموما وواجما فإن امتلك من المال ما يكفيه لأرسالها إلى مشفى آخر لديه من الإمكانيات الطبية ما يسعفها لم تتركه إجلال بمفرده وعادت إليه لاحقا بعدما وضعت أكياس الطعام في بيتها جلست مقابلته واستطردت تكلمه ربنا يطمنا عليها هز رأسه معلقا دون أن ينظر تجاهها إن شاءالله خير ويطلع الموضوع بسيط تذكر عزوفها عن تناول الطعام مؤخرا فندم على عدم اكتراثه بهذه المسألة وقال في ضيق هي بردك لازم تاخد بالها من صحتها بقالها كذا يوم مابتكلش كويس عاتبته إجلال باستنكار جلي وإنت ساكت يا سي عوض أخبرها بشيء من التبرم ما إنتي عارفة هي بأحوال وأنا مابرضاش أغصب عليها في حاجة ظلت على لومها فاستطردت أهوو جت على دماغها في الآخر توقف كلاهما عن النقاش عندما جاءت إحدى الطبيبات من الداخل وهي توجه سؤالها إليهما إنتو اللي جايين مع المړيضة اللي جوا في التو انتفض عوض واقفا وسألها بلوعة وعيناه تتحركان في توتر أيوه يا ست الدكتورة خير هي كويسة نهضت إجلال هي الأخرى واستطردت تقول من تلقاء نفسها أنا قولتلها بلاش نلف كتير في السوق بس هي صممت وزعت الطبيبة نظراتها بينهما وقالت بابتسامة لطيفة اطمنوا هي بقت أحسن تنفس عوض الصعداء وشعر بالارتياح لكونها بخير لكن يبدو أن ذلك الشعور كان لحظيا حيث حل محله الارتياب التام عندما حذرتهما الطبيبة بس لازما يبقى في راحة تامة الفترة الجاية تساءلت إجلال من فورها باستغراب ليه بوجه بشوش ونظرات متحمسة جاء رد الطبيبة بسيطا ومباشرا لكنه احتوى في طياته على أسمى معاني التعويض والإرضاء عشان المدام حامل يتبع الفصل الثامن والعشرون الفصل الثامن والعشرون الغدر الموجع وكأنها أميرة مدللة كل ما يأتي في بالها يجاب قبل أن تنطق به علنا نعمت فردوس منذ أن علمت بخبر حملها بسبل الراحة والاسترخاء حيث منعها زوجها من ممارسة أي أعمال منزلية شاقة قد تؤدي لإيذاء الوديعة الغالية التي أودعت في رحمها وضعت الوسادة خلف ظهرها وهي راقدة على فراشها عندما رأت عوض مقبلا عليها حاملا بيده
 

تم نسخ الرابط